المدينة المنورة واحدة من المدن التي يشتاق إليها كل مسلم، ففي جنبات يثرب عاش النبي صلى الله عليه وسلم ودفن، وليس أدل على عظم مكانة المدينة المنورة من أن تحتضن الجسد النبوي الشريف، فما هو وصف المدينة المنورة، وبماذا تشتهر؟، وما هي أبرز مزاراتها الدينية والسياحية.
المدينة المنورة .. ما لا تعرفه عن طابة ويثرب
المدينة المنورة هي مدينة رسول الله ﷺ، والتي نورها المصطفى ﷺ بهجرته الشريفة إليها، وهي طيبة، وطابة، ويثرب، والدار، فهي تلك البقعة المباركة التي تقع في الشمال الغربي للمملكة العربية السعودية الآن، شرقي البحر الأحمر، الذي يبعد عنها حوالي 250 كيلو مترا، وتمتد بين خطي طول (30َ- 36ْ و 15َ- 42ْ شرقاً)، ودائرتي عرض (30َ -22ْ و 30َ 27-ْ شمالاً)، وتبلغ مساحتها نحو 153.8 ألف كم2 وهو ما يعادل 6.72% من إجمالي مساحة المملكة، وهي محاطة من الغرب بجبل الحجاج ، وجبل سلع من الشمال الغربي، وجبل العير من الجنوب، وجبل أحد من الشمال، وتقوم المدينة المنورة على هضبة جبلية مسطحة عند تقاطع ثلاثة أودية هي : وادي العقل، ووادي العقيق، ووادي الحمض، مما نجم عنه وجـود مساحات كبيرة خضراء، وسط منطقة جبلية جافة في مظهر جغرافي بديع.
وبإلقاء نظرة تاريخية سريعة عن تاريخ المدينة المنورة قبل الإسلام، تذكر المصادر التاريخية أن (يثرب) اسم لرجل من أحفاد نوح عليه السلام، وأن هذا الرجل أسس هذه البلدة فسميت باسمه.
أبرز معالم المدينة المنورة الدينية ومزاراتها:
المسجد النبوي الشريف أفضل بقعة على وجه الأرض، بل هو أفضل مكان في الوجود، وذلك لأن المسجد النبوي الآن يحتوي على القبر الشريف الذي يضم الجسد الطاهر للنبي صلى الله عليه وسلم، والمكان الذي يضم جسد أعظم المخلوقات هو أفضل الأمكنة على الإطلاق، قال العلماء : إنه أفضل بقاع الأرض حتى المسجد الحرام، وحتى الكعبة المشرفة، وإنه أفضل من السماوات حتى العرش والكرسي، فمن ذلك ما ذكره الإمام السبكي، حيث يقول (أما المدفن الشريف فلا يشمله حكم المسجد، بل هو أشرف من المسجد، وأشرف من مسجد مكة (يعني بيت الله الحرام) وأشرف من كل البقاع، كما حكى القاضي عياض الإجماع على ذلك، أن الموضع الذي ضم أعضاء النبي صلى الله عليه وسلم لا خلاف في كونه أفضل.. ثم قال : ونظم بعضهم :
جزم الجميع بأن خير الأرض ما ** قد أحاط ذات المصطفى وحواها
ونعم لقد صدقوا بساكنها علت ** كالنفس حين زكت زكا مأواها
[فتاوى السبكي، ج1 ص 278] والذي قال هذه الأبيات هو محمد بن عبد الله البسكري المغربي.
فهو أفضل البقاع، وهو وثاني مسجد الحرمين الشريفين، اختار موقعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فور وصوله إلى المدينة مهاجرًا، وشارك في بنائه بيديه الشريفتين مع أصحابه رضوان الله عليهم، وصار مقر قيادته، وقيادة الخلفاء الراشدين من بعده، ومنذ ذلك التاريخ وهو يؤدي رسالته موقعًا متميزًا للعبادة، ومدرسة للعلم والمعرفة ومنطلقًا للدعوة، وظل يتسع ويزداد، ويتبارى الملوك والأمراء والحكام في توسعته وزيادته حتى الآن.
ومن المفيد أن نتعرف على لمحة تاريخية عن ذلك المسجد العظيم، فبعد أن أقام النبي صلى الله عليه وسلم أيامًا بقباء، وبنى فيها مسجد قباء أول مسجد أسس على التقوى، وقد تكلمنه عنه في مقالة سابقة.
- مسجد قباء: وهو أول مسجد بُنِيَ في الإسلام، وقد شارك النبي صلى الله عليه وآله وسلم الصحابةَ في بنائه؛ فعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنه قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ رَاكِبًا وَمَاشِيًا» زَادَ ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، «فَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ» أخرجه الشيخان.
- مسجد القبلتين: وهو المسجد التي صُلِّيَت فيه صلاة واحدة إلى قبلتين؛ حيث تحولت فيه قِبلة المسلمين من بيت المقدس إلى البيت الحرام أثناء صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيه بأصحابه صلاة الظهر، فسُمِّي بهذا الاسم.
- بئر أريس: وهو بئر في الجهة الغربية لمسجد قباء مقابل له بالقرب من الحديقة الصغيرة التابعة لسور المسجد، وقد أزيل بسبب توسعة مسجد قباء، كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينزله فيتوضأ منه ويشرب، وهو الذي بُشِّرَ به أبو بكر وعمر وعثمان رضوان الله عليهم بالجنة، وهو الذي سقط به خاتم النبي صلوات الله وسلامه عليه، فسُمِّيَ بئر الخاتم.
- بئر غرس: وهي إحدى آبار المدينة التي كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يشرب منها ويتوضأ، ودعا له بالبركة، ونسبه إلى نفسه، حتى إنه ورد في بعض الروايات أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوصى أن يُغَسَّل بسبع قِرَبٍ من مائه.
- جبل أُحد ومقبرة شهدائه: والجبل موقع غزوة أُحد التي وقعت بين المسلمين ومشركي قريش في السنة الثالثة من الهجرة، ومقبرة شهدائه: هي موضع دفن الصحابة الكرام الذين استشهدوا في غزوة أُحد.
حكم زيارة المزارات في المدينة المنورة
قالت دار الإفتاء في إجابتها على حكم زيارة المزارات في المدينة المنورة، أن المدينة النبوية المنورة مَهد الإسلام؛ قد شرَّفها الله تعالى وفضَّلها، وجعلها من خير بقاع الأرض، ودعا لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولأهلها بالبركة، وجعلها حرمًا آمنًا؛ فعَن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ أنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قال: «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَدَعَا لَهَا، وَحَرَّمْتُ المَدِينَةَ كَمَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ، وَدَعَوْتُ لَهَا فِي مُدِّهَا وَصَاعِهَا مِثْلَ مَا دَعَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِمَكَّةَ» متفقٌ عليه.
بل وشَرُفَتْ بِضَمِّ بُقعة هي أفضل بقاع الأرض على الإطلاق بإجماع العلماء، وهي البقعة التي ضمت الجسد الشريف لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وتحظى المدينة المنورة بالعديد من المعالم الدينية التاريخية التي يرغب القاصي والداني في زيارتها من: مساجد؛ كالمسجد النبوي الشريف، ومسجد قباء، ومسجد القبلتين، ونحوها. وآبار؛ كبئر أريس، وبئر غرس، ونحوها. وجبال؛ كجبل أحد، ونحوه. ومقابر وروضات الصحابة والشهداء وعلماء الأمة وصالحيها؛ كشهداء أحد، والبقيع ونحوهم. وأودية؛ كوادي العقيق، ونحوه.
قال مجد الدين ابن مودود الموصلي في “الاختيار” (1/ 177، ط. الحلبي): [ويستحب أن يخرج بعد زيارته صلى الله عليه وآله وسلم إلى البقيع، فيأتي المشاهد والمزارات، خصوصًا قبر سيد الشهداء حمزة رضي الله عنه] اهـ.