لن ترى محال للأقمشة، والملابس النسائية التراثية، ونساء يفترشن الأرض من أجل بيع منتجات البخور و”حلوى الشَعر”، وما يعرف بـ “البراقع” إلا في “سوق البدو”، أحد أشهر أسواق منطقة جدة التاريخية غرب السعودية.
سوق أثري عمره أكثر من 100 عام
فقد تحول سوق البدو الذي كان يرضي رغبات بعض سكان البادية، هذه الأيام إلى محال بيع الأقمشة النسائية بصفة عامة، إذ استحوذت الأقمشة على واجهات السوق وباتت تباع بأسعار متفاوتة باختلاف الأنواع، فبعضها يصل سعر المتر الواحد إلى 15 ريالا، والآخر يصل سعر المتر الخاص به إلى 35 ريالا.
فيما تلاشت محال الأواني النحاسية والحديدية، وأماكن إصلاح الدلال وقدور الطبخ، إضافة لمنتجات الزيت، والعسل، والسمن البلدي، والإقط، والشعبيات كافة التي عُرف اسم السوق بها.
بالمقابل، لا يقبل بعض الباعة الأصليين كثيراً على المكان في الوقت الحاضر، إذ بات أبناؤهم يحضرون إلى المتاجر عوضاً عنهم وفي أحيان يؤدي الدور مجموعة عمالة وافدة بدت منتشرة بشكل لافت أثناء جولة “العربية. نت” الميدانية.
“سوقنا شعبي”
يبوح أحمد باقيس، بائع الأقمشة ببعض أسرار المكان، قائلاً: “سوقنا شعبي.. مبسوطين فيه”. فبالنسبة له بات السوق ملاذاً يقصده يومياً منذ صباه، وتمتلئ روح ذلك التاجر بذكريات يقول عنها: “ذكريات الشباب ما تنسي.. ما تنسي”.
بحلول ساعات العصر يحضر إلى متجره في سوق البدو فيما يغادره عند العاشرة مساءً.
وأعرب عن أن أكثر ما يخشاه هو حولات الظروف الثقافية التي فرضت واقعها على جيل جديد بات بعضه لا يهتم بمسائل التراث والشعبيات حسب رأيه.
وبدوافع الرغبة في تبديد تلك الفروقات، حرص الرجل على حضور بعض أحفاده إلى المتجر، وقال: “الشباب لا يريدون القيام بعملنا ذاته.. لا يفضلون الشعبيات، لكنني لا أخشى اندثارها، لأن الي ما له أول ما له تالي”. وزاد بمثل شعبي قديم: “صنعة أبوك لا يغلبوك، أنا أحرص على حضور أحفادي ليروا كيف كان واقعنا سابقاً وما باتوا عليه الآن”.
كما تابع: “حينما افتتح والدي المتجر، كان متخصصاً في بيع المواد الغذائية في سوق البدو فتكونت لدي علاقة وثيقة تربطني بعملائي من أنحاء السعودية كافة، إذ أقوم بتوريد المواد لهم بصفة دائمة، فيما يزورني بعضهم آتين من مناطق كمحايل عسير، والقنفذة، وبيشة، والباحة، والرياض.. تربطني بهم عشرة عمر وعيش وملح.. معظمهم غادروا الحياة، بيد أن بعض أبنائهم يحافظون على الاتصال بي، وزيارتي في أحيان عدة”.
ولفت إلى أنه حوّل نشاطه هو الآخر بعدما كان متخصصاً في بيع المنتجات الغذائية لمدة 10 أعوام إلى العطارة، وما لبث أن أصبح يبيع الأقمشة منذ وقت نتيجة تحولات السوق.
بسطات شعبية
في نهاية الممر الخاص بالسوق، يتوقف نساء كُثر عند سيدة تدعى أم حمزة، بائعة شعبية احتضنها كنف المكان، تبيع السيدة “البراقع” وحلوى الشَعر” وخلطات عطرية بجانب البخور بأنواعه كافة، “الدوسري- المبثوث – المعمول – البيشي”.
وقالت: “اضطررت للبيع في البسطة بعد غياب والدتي نتيجة ظروف صحية منعتها الحضور منذ خمسة أشهر، فيما قضت والدتي نحو 33 سنة في سوق البدو وتحتفظ بقائمة عملائها منذ نحو 24 عاماً، بعضهن أصبحن يأتون إلى البسطة رفقة أبنائهن وأحفادهن.
السوق
كما قالت “السوق يعني لي التاريخ والبساطة والهدوء والتراث، كنت أحضر إلى السوق مع والدتي بعض الأحيان وليس دائماً، وفي الوقت الراهن يحضر الكثير من الزبائن للسؤال عن والدتي ” أم سالم”، فيعرفن أنها في المستشفى فسرعان ما يذهبن لزيارتها والاطمئنان عليها، ما يشير إلى تفاصيل لافتة تكتنزها ذاكرة زوارها وزبائنها.
أما في الوقت الراهن فإن الملاحظ بعد مرور سنوات عدة فقد السوق شيئًا من طابعه القديم، خاصة في بيع السلع التقليدية التي يقبل عليها المتسوقون، إذ تحول معظمه لبيع الأقمشة، فيما كان ينجذب الزوّار بشكل لافت أحياناً لمشاهدة وشراء بعض المشغولات اليدوية المعروضة في ” سوق البدو”.
فيما لم تعد متاحة الآن، رغم حرص الجهات الثقافية الفاعلة في السعودية على تكريس الاهتمام بالأسواق التاريخية والاحتفاظ باتصال الآخرين بها فهي جزء من نسيج الحاضر.
ويضم ممراً رئيسياً يتكامل مع ممرات جنباته التي تضم محال بيع المنتجات المتنوعة مثل “العطارين” والمطاعم التي تقدم المأكولات الشعبية القديمة كاللحوم والأسماك.