هذه هي دوافع شيطنة أحزاب المعارضة و الشخصيات الوطنية

احترق قصر السلطة تحت وطئ الشعب الزاحف. فأرادها أهله حريقا يشمل بيت المعارضة التي سهرت طوال السنين على ابقاء شمعة اليقضة موقدة. النظام المافياوي المنتهية صلاحيته و العاجز عن إيجاد مخارج تنقذ أثاثه، يريد تصحير الساحة السياسية الوطنية من كل بدائل ناجعة تمكّن الشعب الجزائري من الضفر على جمهورية جديدة صالحة و حيوية.

و للوصول إلى هدفهم، قامت أجهزة المخابرات التابعة للدياراس التي ألفت ربط عقد السلطة و حلها منذ الاستقلال ، بفتح مراكز انترنت في عدة نقاط من العاصمة تحوي على عشرات الأجهزة الاتصالاتية. و شغّلت فيها و على مدار الساعة العشرات من شباب ” قوم الكاشير” للقيام بهجمات تشهيرية جد منظمة ضد شخصيات وطنية معروفة بتاريخها النضالي و قدراتها على تقديم مقترحات صائبة من أجل جمهورية ثانية تسع الجميع.

و تقوم ذات المراكز بنشر أفكار معادية لأحزاب المعارضة قصد تحييدها و وضعها خارج الصفوف الأمامية للحراك. فتجد عشرات شباب ” أهل الكاشير” يروّجون لفكرة أن أحزاب المعارضة لم تقم بدورها في العشريات الماضية. و هذا تغليط خطير للرأي العام. فأحزاب المعارضة كانت أول ضحايا ظلم النظام البوتفليقي : أغلقت عليهم أبواب القاعات، منعت عليهم الساحات العمومية، أوصدت أمامهم قنوات الإعلام، زورت نتائجهم الإنتخابية لصالح أحزاب الموالاة، وضعت عراقيل إدارية و مالية على طريق السياسات التنموية لمنتخبيهم المحليين. كلّ ما بقي لهم كفضاء تعبير هو منصة البرلمان. فنواب المعارضة و رغم قلة عددهم في المجلس الوطني، إلا أنهم أسمعوا ، في كل لحظة أتيحت لهم الفرصة،  صوتهم المعارض لما يحصل من مظالم و مفاسد ضد الشعب.

فمن الشخصيات المعارضة التي يتم التهجم عليها بإيعاز و تخطيط من الدياراس ، من أمضى سنين في سجون النظام و ضاق على يديه ويلات التعذيب لأنهم في وقت يصعب فيه قول كلمة الحق، طالبوا بالحرية و الديمقراطية و العدل للجزائريين. و من الأحزاب المعارضة التي يتم تقزيمها من طرف شباب ” أهل الكاشير” ، من أعطت خيرة مناضليها فداءا للوطن أيام العشرية السوداء.

إن أحزاب المعارضة الحقيقية لها من البرامج الوطنية ما يدفع بالبلد سنين ضوئية نحو الأمام. كل ما ينقصها فضاءات حرية لتجسيد مشاريعها الحيوية. و هذا المعطى يربك رجال النظام الفاسد. فهم يريدونها، من دونهم،  صحراء جافة. إنهم يريدون تحقيق مقولتهم الشهيرة : ” من دوننا، لكم الطوفان”.

لقد أمل أهل السلطة الفاسدة أن يخرج الشباب بعنف ليتم قمعهم و تبرير استعمال القوة خارجيا. و لمّا أعطاهم الشباب درسا في التحضر و حاصرهم و منعهم من أخذ سفينة الجزائر إلى ما تهوى رياحهم الجهنمية، وجهوا سهامهم نحو أحزاب المعارضة و الشخصيات الوطنية المعروفة بنضالاتها السياسية و الحقوقية من أمثال مصطفى بوشاشي و سعيد سعدي و غيرهم. إنهم عازمون على بناء جدار عازل بين الطبقة السياسية الفاعلة و الحراك الشعبي كي لا يتم تقديم بديل سياسي وطني بنّاء يخرج البلد من دوامة السياسات المافيوية.

بعزل الشخصيات الوطنية من أمثال الدكتور سعيد سعدي الذي صرّح علنا أنه غير معني بتاتا بتقلد أي منصب سياسي أو وظيفة حكومية و أنه يأمل أن يكون جيله مرافقا بالنصيحة للحراك الشعبي حتى يصل مبتغاه، يكون النظام المافيوي الفاسد قد صحّر الحراك من كل قدراته في التفاوض البناء و الناجع.

و تزامنا مع اشعال النيران في بيت المعارضة الوطنية الفاعلة و في جسد الشخصيات الوطنية الناجعة، تقوم مراكز الإنترنت التابعة للدياراس و المنشطة من طرف “شباب الكاشير” بحملة مسمومة لفرض أسماء و بطريقة عشوائية كبدائل و كناطقين رسميين للحراك الشعبي. قد يكون لبعض هذه الأسماء المقترحة نية في التغيير و لكن حداثة دخولهم المعترك السياسي و قلة تجربتهم و فقدانهم لبرامج سياسية مكتملة تجعل منهم لقمة سائغة في فم ” الغول “. و قد يحصد الحراك أقل من أدنى ما يجب حصده. و هذا هو مبتغى النظام من عملية شيطنة الشخصيات الوطنية و أحزاب المعارضة. فالسلطة لا تريد أن يكون حال الحراك الجزائري كحال الحراك التونسي الذي احتل الشارع و ترك طوعيا المبادرة للطبقة السياسية المعارضة بكل أحزابها و أطيافها لبناء تونس الغد.

أمياس مدور