أظهرت تشريعيات جوان 2021 التي نظمتها السلطة القائمة رغم معارضة الأغلبية الساحقة للشعب الجزائري لها جملة وتفصيلا، عدة معطيات هامة، أولها افلاس الثورة المضادة التي قادتها الغرف المظلمة للنظام وجنّدت لها كل أذرعها الأمنية والقضائية والاعلامية. حيث لم لم تستطع قلب موازين القوى في الميدان لصالح خريطة طريقها.
كما كشفت التشريعيات مدى فشل أحزاب الموالاة وأحزاب التيار الاسلامي في تعبئة الشعب حيث لم تستطع هياكلها من استمالة الرأي العام الوطني نحو خيار المشاركة. وأظهرت الأرقام الحقيقية الغير مصرح بها من قبل السلطة المستقلة للانتخابات المربوطة سياسيا وعقائديا للسلطة القائمة ، أن متوسط المشاركة الفعلية للكتلة الناخبة لم يتجاوز 10 بالمائة مع الإشارة إلى ان ثلاثة أرباع الوافدين على مكاتب الاقتراع من الهيئات النظامية والمؤسسة العسكرية الذين تقدموا بالزي المدني للإيحاء بانخراط جزء معتبر من الشعب في العملية. وهذا المعطى الاحصائي يفسر لحد كبير تغوّل الأفلان والإرندي على باقي الأحزاب المشاركة في حزمة النتائج المعلنة.
الدرس الآخر الذي أفرزته التشريعيات الأخيرة هو أن الاعتداء على الهوية الأمازيغية وركوب صهوة العروبية المفرطة وتبني الخطاب المعادي للتعددية اللغوية والتنوع الثقافي وتقمّص دور الداعية الديني لا يؤتي ثمارا ولا يغني من جوع. وخير دليل على هذا هو عبد الله جاب الله الذي صال وجال في ميدان الوغى على الأمازيغية ظنا منه أن في كراهيتها بوابة للولوج إلى مراكز القيادة السياسية للوطن، تلقى صفعة قد تنسيه حتى الشهادة ووجهة القبلة.
وأهم من كل هذا أن الثورة السلمية أعطت البراهين الوافية أنها متجذرة في قلوب وسلوكيات الشعب الجزائري وأن لا رجعة عنها حتى النصر المبين. وأعطت نسبة المقاطعة الوطنية التي تناهز 90 بالمائة الإشارة الواضحة أن الثورة الشعبية السلمية المطالبة بالتغيير الجذري للنظام والذهاب إلى مرحلة انتقالية هو مشروع وطني بامتياز تتقاسمه بصفة شاسعة كل أطياف المجتمع وجل جهات القطر ، ولا تقتصر ذات الثورة في بضع الولايات وتحت تأثير أقلية مغرر بها كما سوّق لها رئيس الدولة عبد المجيد تبون في حواره مع قناة الجزيرة القطرية.
إن التحليل المقارن للمحطات الانتخابية الثلاث التي فرضها النظام في محاولات يائسة لإعادة رسكلة مؤسساته الفاشلة وسياساته المفلسة توضح جليا أن حجم البقية الباقية والوفية لها تتقلص بشكل رهيب. فأرقام السلطة المستقلة للانتخابات، إن أخذنا بها رغم تضخيمها، تكشف أن عدد المشاركين في الرئاسيات أكبر من أولائك المصوتين في الاستفتاء الدستوري وقلّت جموعهم أكثر في التشريعيات. وما يفسر ذوبان ما تبقى من أصوات مؤمنة بخريطة طريق النظام هو عدم تقديم السلطة لأي حل موضوعي وملموس في ظل تدني القدرة الشرائية وتفاقم الأزمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، والاكتفاء بالشعارات الجوفاء واللجوء إلى سياسة القمع والتعتيم الاعلامي، ناهيك عن تصحر محيط السلطة وغياب الكفاءات في صفوفها. الأمر الذي حتّم عليها اللجوء إلى خزان الفشل والرداءة الذي تشكله قواعد الأحزاب الموالية المفلسة التي برزت بجنوحها للتطبيل والتهليل المفرط للرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة.
إن مخرجات تشريعيات جوان 2021 تتلخص في إعادة تشكيل البرلمان بنفس التكتلات الموالية التي واكبت سياسة الفساد في جل عهدات بوتفليقة. كما تبشّر ببقاء الأزمة السياسية تراود مكانها بل قد تتفاقم في الأيام المقبلة،مما يعني أن في العملية كلها تضييع وقت للأمة الجزائرية التي تبحث عن حل سياسي سليم لا يتقاطع مع ارادة مراكز القرار الساعية إلى اعادة رسكلة المنظومة الناهبة، و تضييع المال العام بالمليارات في عملية لا أثر لها على سيرورة المشهد الوطني المعقد.
فهل تجد السلطة في ثناياها بقايا ثقافة دولة لتوقف المهزلة وتفتح قنوات الحوار الوطني الجاد والشامل والمستقل لرسم خريطة طريق صحيحة؟ وهل سترضخ أخيرا لأمر الواقع الوطني وتسمح للبلد بإلذهاب إلى مرحلة انتقالية سلسة تُحدث نقلة نوعية وتؤسس لدولة جزائرية حديثة ، ديمقراطية اجتماعية عادلة تضمن الحريات والعدالة ؟. هذا ما يتمناه ال 90 بالمائة من الشعب الجزائري الذي يرفض خريطة الطريق المسطرة حاليا. وهذا ما لا تريد سماعه لحد الآن السلطة المتعجرفة والمتشبثة بسياسة تدمير كل مقومات الأمة.
عبد الحميد لعايبي