في حصة تلفزيونية بثتها الليلة قناة بربر-تيفي، تناول رئيس الإرسيدي مواضيع سياسية عدة مرتبطة بالوضعية السياسية للبلاد و بسط رؤيته لسبل حلحلة الأزمة الوطنية التي تتخبط فيها البلاد منذ 1962 و تعقدت أمورها بعد انطلاق الثورة الشعبية في 22 فيفري و مواجهتها لتعنت رئيس أركان الجيش. و عرّج محسن بلعباس على أهم الملفات السياسية الراهنة بثوب رجل دولة.
و اعتبر محسن بلعباس، رئيس الإرسيدي، انتخابات 12 ديسمبر محطة سياسية لا تحمل الجديد و لن تغيّر من المشهد الوطني شيئا. فكل ما تفضي له انتخابات الخميس المقبل تغيير اسم و وجه باسم و وجه آخر لن يتمتع بأي شرعية شعبية تجعله يقابل قرائنه في المحافل الدولية بالنّد. و قال محسن بلعباس أنه إذا كان بن صالح نزل إلى الدرك الأسفل من الانبطاح بتقديم تقرير كامل و وفيّ لبوتين فإن رئيس الدولة الذي يتم تعيينه يوم 12 ديسمبر لن يدخل قصر الكريملين إلّا و هو راكع و منحني الظهر. و أضاف محسن بلعباس قائلا أن رئيس الدولة الجديد الذي يتم تنصيبه رغم معارضة الشعب القوية لن يكون حرا في عمله و قراراته بل مقيدا لخيط الهاتف الذي يأتيه دوما بأوامر رئيس الأركان. و بعبارة أخرى، رئيس الدولة الذي ستم تنصيبه يوم 12 ديسمبر يكون مكسور الجناحين.
و ندّد رئيس الإرسيدي بالسطو المشين للسلطة الفعلية على فكرة اللجنة المستقلة لتنظيم الانتخابات، التي بلورها الحزب ،و تشويه تركيبتها و كيفية انشاءها. و أعرب محسن بلعباس عن أسفه من رؤية وزير عدل سابق شارك في تزوير الانتخابات رئيسا على اللجنة المستقلة يعمل حصريا مع طواقم لجان مراقبة الانتخابات التي أشرفت على الاستحقاقات المزوة السابقة، في حين يُلزم المنطق و العقل تنصيب أشخاص مستقلين عن السلطة و نزهاء يتم اختيارهم من قبل الشركاء السياسيين بعد تشاور و حوار واسع.
و عند تشريحه للازمة و منابعها، أوضح محسن بلعباس أن مصدر الأزمة يكمن في غياب التوازن في السلطات و عدم استقلالية القضاء و محدودية صلاحيات المجلس الدستوري الذي يكتفي بالمصادقة على ما تضعه السلطة من ملفات فوق طاولته. و طرح جملة من الحلول تبدأ بوضع دستور جديد وفق مسار تأسيسي و آليات تتفق حولها الأطياف السياسية الوطنية بلا استثناء أو اقصاء. دستور يكرس فصل السلطات و توازنها، يقلّص من سلطات رئيس الدولة و يفرض وضع حكومة تنفيذية نابعة من الأغلبية البرلمانية و يكرّس استقلال القضاء و يضمن حرية الاعلام و الوصول إليه. و أوضح محسن بلعباس أن الدستور الجديد يتم صياغته من قبل مجلس دستوري منتخب أو فريق خبراء دستوريين يتم الاتفاق حول تشكيلته في ندوة وطنية شاملة.
و عن التنظيم المستقبلي للدولة، فضل رئيس الإرسيدي أن تُبنى جزائر الغد على أساس اعطاء سلطات أكثر للجهات عبر انشاء برلمانات جهوية و سلطات تنفيذية جهوية تقرب مراكز القرار من المواطن و تسمح بتسيير أحسن للمال العام و مراقبته مع خلق جو من المنافسة الإيجابية بين الجهات مما ينهض بالاقتصاد الوطني و ينمي المجتمع و يفتح الآفاق للثقافة الوطنية بكل تنوعاتها و خصوصياتها. و أكّد محسن بلعباس أن هذه الرؤية المستقبلية منبثقة من قناعات و عمل و تفكير الحزب و هو قابل للنقاش و الحوار و الاثراء و التعديل مع الشركاء السياسيين لأن قناعة الارسيدي تقول أن بناء الدولة الجزائرية هي ثمرة نقاش و حوار صريح بين كل الجزائريين بلا استثناء و لا اقصاء.
و ركّز محسن بلعباس على ضرورة استبدال المجلس الدستوري بمحكمة دستورية يتم انتخاب رئيسها من قبل القضاة لعهدة دائمة تقيه من ضغوطات السلطة التنفيذية و ابتزازها و تهديدها بالفصل. و يكون من مهام المحكمة الدستورية النظر في قانونية و دستورية القوانين و القرارات المنبثقة من الحكومة المركزية و البرلمان الوطني ، و كذلك دستورية ما تقوم به البرلمانات و الحكومات الجهوية.
و في ما يخص المحاكمة التي انتهت بادانة عدة مسؤولين حكوميين و رجال أعمال، تأسف محسن بلعباس لعدم استدعاء الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة، المسؤول الأول و الأخير عن ملفات الفساد المطروحة. و أبدى استغرابه حول عملية التسريع في انهاء المحاكمة. و أرجع محسن بلعباس هذا التسرع إلى إرادة السلطة تقديم صورة محارب للفساد عشية الانتخابات لاستعطاف مشاعر المواطينين و الدفع بهم نحو صناديق الاقتراع. و رافع رئيس الارسيدي عن ضرورة اجراء محاكمات عادلة و منصفة تكفل حق جميع الأطراف لأنّه لو راع الجهاز القضائي هذا المعيار لكانت ربما العقوبات أقصى دون أن يشوبها أي شك في مصداقية الأحكام.
و عن تصريحات وزير الداخلية الأخيرة، عبر رئيس الإرسيدي عن تعجبه و استنكاره لهذا التصرف المشين الذي لم يسبق أن سجل التاريخ السياسي للدول تصرفا مثيلا له. و قال محسن بلعباس أن القذافي في أوّج تهوّره و هتلر لم يقدما على هكذا تهجّم فضيع على شعبيهما.
نبيلة براهم