في كلمة جديدة ألقاها اليوم الثلاثاء، جدد رئيس أركان الجيش موقفه المعارض لحل الأزمة السياسية الخانقة عبر المرحلة الانتقالية كما يدعو لها الشعب الجزائري منذ 27 جمعة متتالية. و أكّد أن الجيش الوطني الشعبي سيقف بالمرصاد لهذا الطرح الذي تحمله، في نظره، العصابة و أذنابها. و ألقى رئيس الأركان هذه الكلمة في وقت يوم تعج فيه شوارع المدن الجزائرية بشعارات الطلبة مرفوقين بالمواطنين الداعية لبناء دولة مدنية و عودة العسكر إلى الثكنات. و تأتي هذه الكلمة الجديدة للجنرال قايد صالح لتعلن صراحة انخراط المؤسسة العسكرية في العملية السياسية.
و قال رئيس الأركان في حق ملايين الجزائريين الذين يخرجون كل جمعة من أجل التعبير عن رفضهم للانتخابات الرئاسية و انخراطهم الكامل في خيار المرحلة الانتقالية المؤسسة لجمهورية جديدة تكون فيها الأولوية للمدني على العسكري : “لكن هيهات أن تتحقق أماني هذه العصابة وأذنابها ومن يسير في فلكها، لأن المؤسسة العسكرية، ونجدد التأكيد على ذلك وبإلحاح، ستواجه وستتصدى بكل قوة وصرامة، رفقة كافة الوطنيين المخلصين والأوفياء لعهد الشهداء الأبرار، لهذه الجهات المغرضة، ولن تسمح لأي كان المساس بسمعة الجزائر بين الأمم وتاريخها المجيد وعزة شعبها الأصيل، وسنعمل معا ودون هوادة على إفشال المخططات الخبيثة لهذه الجهات وهؤلاء الأشخاص المأجورين، الذين أصبحت مواقفهم متغيرة ومتناقضة باستمرار، لأنها وببساطة ليست نابعة من أفكارهم بل أملاها عليهم أسيادهم، الذين يتحكمون فيهم ويوجهونهم حسب أهوائهم، محاولة منهم تقزيم دور الجزائر إقليميا ودوليا، هذا البلد القارة الغني بتاريخه العريق، القوي بمواقفه المبدئية الثابتة، والثري بطاقاته وخيراته، قلت الجزائر ليست في حاجة لمثل هؤلاء البشر، بل هي بحاجة إلى الوطنيين المخلصين الذين يعملون وفق خطط مدروسة، متحلين في ذلك بروح المسؤولية والتحفظ ويتفادون تقديم تصريحات طائشة غير محسوبة العواقب، ويسعون إلى طرح مبادرات تخدم البلاد وتساهم في خروجها من الأزمة”.
و بعيدا عن الحقائق الوطنية، يصرّ الجنرال قايد صالح، المستحوذ على كل مفاصل الدولة و مراكز قراراتها، على أن أغلبية الشعب مع خياراته و خطته المرتكزة على ضرورة تنظيم الرئاسيات في أقرب الآجال. و هو الطرح الذي تفنده المسيرات الشعبية الصاخبة كل جمعة و الإجماع الشبه التام للطبقة السياسية و فعاليات المجتمع المدني على استحالة تنظيم الاستحقاقات في ضل استمرار تواجد جزء هام من العصابة في سدة الحكم و دواليب الدولة و تهنت السلطة الفعلية على عدم الامتثال لمطالب اتخاذ اجراءات التهدئة. و في هذا الصدد قال رئيس الأركان : “لقد علمتنا الثورة التحريرية المباركة الإصرار والمثابرة إلى غاية تحقيق أهدافنا النبيلة، كما علمتنا أن نتكلم بصراحة ودون تزيـيـف ولا مواربـة، وعليه فإننا نقول ونؤكد، ولن نمل أبدا من ترديد ذلك، أن الشعب الجزائري الواعي والراشد لا يحتاج لوصاية أية جهة كانت، ولا يحتاج لمن يملي عليه ما يجب فعله، هذا الشعب الذي هو وحده من يختار بكل حرية وشفافية رئيس الجمهورية القادم، فبلادنا لا تبنيها العصابة التي لم تعرف أبدا حقيقة الجزائر وشعبها، ولم تقف إلى جانبه في أوقات الشدة والأزمات، فالشعب الذي صقلته المحن مدرك لهذه الحقائق، وعلى يقين أن البلاد يبنيها أبناؤها المخلصون، وهم ولله الحمد يمثلون الأغلبية من هذا الشعب الأبي، الذي نعرفه جيدا ونقدره حق قدره ونعرف خصوصياته، لأننا من صلبه ولأننا واجهنا معا كافة الصعاب والشدائد، لاسيما خلال الأوقات العصيبة التي عاشتها بلادنا جراء الإرهاب الهمجي، الذي حاربه الجيش الوطني الشعبي، طبقا لاستراتيجية متبصرة وبعيدة النظر وقدم فيها أفراده، إلى جانب إخوانهم من الأسلاك الأمنية الأخرى والمواطنين بكافة فئاتهم، التضحيات الجسام، لكونهم يحملون الجزائر في قلوبهم ويعملون على حفظ أمنها واستقرارها ويقدرون ويثمنون ما تحقق من إنجازات معتبرة، لا ينكرها إلا جاحد ناكر للجميل”.
عبد الحميد لعايبي