فأين المشعل

احتفلت بنوفمبر . و كانت الفكرة هي العثور على المشعل . فانشغالي اليوم كأب، هو كيف أقنع الولد بتركيز اهتماماته و تفكيره لخدمة الجزائر أولا وفقط ، من دون انتظار شكر أحد و لا اعتراف من أحد . كنا آمنا ، و بعفوية ، أن حب الوطن من الايمان. و لازلت مؤمنا بذلك. لكن الجيل الصاعد يحمل أحلامه . و أيضا يحمل على كتفيه ثقلا كبيرا يختلف وصفه من شخص الى آخر. منهم من يرى في مواقف آباءهم صورة للذل، أو من يرى فيها صورة للصبر ، و منهم من يرى فيها التقصير كله ، تجاه وطن خرج من ليل الاستعمار ، و هو طامع في نهار مبارك مسالم، فإذا به يغرق في الكراهية و الدم . فهل بقينا مجرد قبائل تزينت و تَحَلّقَت؟ خرجت باحثا عن المشعل . مرة قيل لي أنه انطفأ . و مرة قيل لي “سُرق”. و كم من مرات سمعته يقول ” سنسلمه للجيل الصاعد.” أصحاب النظر البعيد ، أدركوا بأن حامليه نصبوا أنفسهم أصحاب المعبد ، و قرروا أن ينطفئ المشعل بين أيديهم . خرجت باحثا عن بصيص أمل . قلت ربما تحدث المعجزة . قابلت مجاهدا ،سمعته يشكو جيله. قال ” اقصوني من الاحتفال معهم . منعوا عني بطاقة الدعوى .” فزادني غصة لأنه ذكرني بعتاب رجل عظيم ، عشية الاحتفال بعيد الثورة سنة 2003 . كان الضحية أمحمد يزيد ، شلال من الرحمة على روحه. تم حذف اسمه من القائمة بسبب مواقفه . لكنه كسب نفسه بمواقفه تلك. و مات بمرتبة مشرف جدا ، لصراحته و حبه لوطنه . أما الذي ذكرني بالمرحوم يزيد ، كان ضحية تحالف بين “السلسلة مع الكادنة ” و بين الصورة و صمت مؤسسات و هيئات . عندما سُئِل مراد مدلسي ، رئيس المجلس الدستوري عما يصيب مجلس النواب ، هرب بجلده لأنه يدرك مطبات العمل في القمة. فعندما سألته القاضية التي أدارت محاكمة قضية الخليفة بنك، عن غفلته من ممارسات البنك، و هو وزيرا للمالية ، كان جوابه مزيجا بين العفوية و السذاجة . قال فيما معناه ” عبد المؤمن خليفة كلخلي”. و لشدة حرصه على تفادي تكرار نفس الخطأ، وقع في المصيدة ، و هو وزيرا للخارجية. كان ذلك في حوار له ، عندما سُئِل عن رغبة الرئيس في الترشح بعد مرضه ، و بعد بقاءه شهورا بالمستشفى . و كان جوابه يحمل الكثير من السخرية لصاحب السؤال . و يبرز التسجيل انه لم يكن لحظتها يتوقع إعادة ترشيح الرئيس لشدة ما أصابه من المرض. و هو اليوم على يقين بأن كل شيء ممكن . لدى يفضل السكوت، مثله مثل باقي المؤسسات و الهيئات الصامتة عن حق المواطن في اعلام نزيه ، و عن حقه في خصوصية حياته العائلية، أو في براءة أي متهم قبل ادانته رسميا من قبل محكمة. فجميعهم صامت و ساكت عن حق المواطن في أن يكون مواطنا و فقط . و هذا ظلم . كان يفترض أن يكون الاحترام للشعب مصدر تشريع القوانين . لكنهم احتفظوا بالمشعل ، و جعلوا من خطوات مسئول سياسي على رصيف شارع عمومي، جريمة سياسية . و قرروا أن مصافحة مواطن من دون إذن ، هي بمرتبة الخطر على وحدة صف القيادة . أما شرب القهوة في ساحة عمومية فهو تهديد لقواعد أمنية – بروتوكولية – استراتيجية ! فاللهم احفظ الجزائر من الطمّاعين و من الظالمين .

عبد الحكيم بلبطي