عبد المجيد تبون حسم أمر ملف “الغاز الصخري ” : « استغلال الغاز الصخري سينقذ الاقتصاد الجزائري من كارثة محققة »

الجزائر في ظل حكم الأمر الواقع المفروض تتجه بخطى ثابتة و سريعة نحو الاستثمار في الغاز الصخري رغم المعارضة الكبيرة للأوساط السياسية و الاجتماعية و الشعبية له لما يحويه المشروع من مخاطر على البيئة و الثروة المائية الجوفية في الجنوب. ما يؤكّد هذا التوجه الكارثي مرافعة رئيس الدولة عبد المجيد تبون في لقائه أمس مع الصحافة، لصالح هذا الخيار و لو أخذ الحيطة بتغليف القرار المتخذ بتصرحيه أن القرار لن يكون انفراديا.

و صرّح رئيس الدولة في اجابته عن الموضوع بعبارات لا تدع أدنى شك عن الخيار المبطّن، أنّ ” النقاش حول موضوع الغاز الصخري يحتاج إلى أن يتم في جو هادئ، ويجب أن يقوده الخبراء والأخصائيون الحقيقيون بعيدا عن التشنج والاستغلال السياسي، وهنا أسجل أن المواطن راح ضحية لأخطاء جعلته، وهو يعذر على ذلك، يشعر بالرعب من الغاز الصخري، فهو لم يحظ نفسيا لذلك، كما أنه لم يمكن من كل المعطيات الموضوعية التي تجعله يفهم الموضوع جيدا، فالسكان في عين صالح مثلا تفاجأوا ذات صباح بنار تنبعث من بئر للغاز الصخري، دون سابق شرح أو إعلام، كما أنه ليس من الحكمة البدء في التنقيب وسط أماكن آهلة بالسكان، بل إن الأمر دخلت فيه الشعوذة في بعض المناطق”.

و أضاف قائلا أن ” علينا أن نتذكر أن الاستهلاك الوطني من الغاز الطبيعي بلغ 43 بالمائة مما ننتجه، والرقم مرشح للارتفاع حتى يصل إلى 60 بالمائة مع تزايد عدد السكان، أي أننا وبهذه الوتيرة لن نصدّر في المستقبل سوى 40 بالمائة من الإنتاج، وتعلمون أن الجزائر تعتمد أساسا على تصدير الغاز.. في هذه يحق لي أن أطرح على الجميع سؤالا يقول: ما العمل؟ “. و السؤال الرئاسي هنا يكشف نيّة باطنة في التوجه نحو الخيار المرعب لسدّ عجز مالي كبير يمنع مواصلة سياسة شراء السلم الاجتماعي التي يرتكز عليها النظام الجزائري في ابعاد محطات التغيير الجذري للنظام.

و بعد التلميح لضرورة الابتعاد عن ما وصفه ب” التقاشات الفلسفية ” و المرافعة لصالح ” الكثير من الدراسات المطمئنة التي تؤكد علميا وبما لا يدع أي مجال للشك، أن استغلال الغاز الصخري لن يؤثر أبدا على البيئة، وبأن مخزوننا المائي لن تصله مطلقا عمليات التنقيب والاستخراج “، طرح سؤالا آخر ينزع الشك في توجّه السلطة الفعلية إلى تبنّي خيار ” الاستثمار في الغاز الصخري ” لسد عجز واردات المحروقات الكلاسيكية. إذ قال رئيس الدولة : ” أنك تجد في الولايات المتحدة الأمريكية آبارا للنفط الغازي تعد بالآلاف وسط الأحياء السكنية: هل الأمريكان غير مدركين للأخطار التي قد تنجم عن هذا النشاط؟ بالتأكيد لا “.

و أنهى رئيس الدولة ، عبد المجيد تبون، كلامه في الموضوع بتصريح ينزع نهائيا الستار عن القرار المفصول في أمره في مراكز القرار بقوله : ” استغلال الغاز الصخري سينقذ الاقتصاد الجزائري من كارثة محققة، فنحن نملك ثاني أو ثالث احتياطي في العالم، بعض المناطق في بلادنا تنام على محيطات من الغاز الصخري، هي نعمة وثروة مدفونة لِمَ نحرم أنفسنا منها ؟ “.

من تصريحات و مرافعات رئيس الدولة لصالح الاستثمار في الغاز الصخري، يتضح جليا أن التأكيد على ” عدم الانفراد في اتخاذ القرار ” و ” فتح نقاش وطني و موضوعي حوله ” ليس إلاّ زخرف كلام سياسي و تعليب ديمقراطي مزيّف لقرار سيادي يعود بالاساس للشعب الجزائري ، و قد تمّ حسمه في غرف مغلقة تسيّرها بوصلة تبحث فقط عن موارد مالية آنية تكفل تسيير الجبهة الاجتماعية الحالية دون الاكتراث بمصير الأجيال القادمة.

كان من الأجدر لرئيس الدولة طرح الاشكالية الحرجة و الاستراتيجية عبر آلية ديمقراطية للنقاش الوطني الحر و الشفاف عبر ندوة وطنية و نقاشات عامة تنقلها وسائل الاعلام الوطنية العامة و الخاصة دون تعتيم أو اقصاء، و تقديم حصيلة النقاش الوطني لاستفتاء شعبي عام، كون القضية سيادية. و كان واجبا التزام السلطات العليا الحياد التام في الموضوع و عدم الضغط السياسي و الاعلامي على الراي العام في اتجاه معيّن. إن خرجة رئيس الدولة في موضوع الغاز الصخري كمن قدّم لعابر سبيل زاهد في دينه يشكو ظمأه، قربة ماء فارغة و قارورة خمر مملوءة، و تقديمهما له لاختيار ما يشرب.

إن المقاربة التي عرضها رئيس الدولة، عبد المجيد تبون، حول معالجة ملف ” الغاز الصخري ” تعكس تماما كل مقارباته في تناول ملف الحوار و الدستور،و التي يمكن تلخيصها في جملة واحدة : ” هذه هي سياستي المحسوم في أمرها،و أنت حلّل و ناقش عزيزي المواطن “. 

عبد الحميد لعايبي