المباني الرّمزية بألوان الراية الأمازيغية : هل تنوي السلطة الحالية ترميم ما دمّرت سياسة الجنرال قايد صالح العدائية اتجاه القبائل ؟

توشّح مقام الشهيد و مبنى البريد المركزي، الليلة الماضية، بألوان الراية الأمازيغية، تمهيدا للاحتفالات الرسمية و الشعبية برأس السنة الأمازيغية ل 1 يناير 2970 الموافق ل12 جانفي 2020. و لم تقم الجهات الرسمية بإعلام الرأي العام، لهذه اللحظة، عن الجهة الرسمية التي قرّرت اعادة الاعتبار لالوان الهوية الأمازيغية بعدما كان رفعها في زمن قائد الأركان الراحل، الجنرال قايد صالح، سببا كافيا لزج صاحبها في غيابات السجن.

L’image contient peut-être : nuit et plein air

و فور ظهور ألوان الراية الأمازيغية على المباني الرمز للعاصمة ، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بين مبارك للمبادرة في أوساط رواد الانترنت الوسطيين و مستهجن لها في خانات ما يطلق عليهم بالبادسيين الذين تحوّلوا بإيعاز من الدوائر المقربة لقائد الأركان الراحل إلى رأس حربة الفتنة في التهجم الصريح على كل ما هو أمازيغي. فيما ذهبت الشريحة الكبرى من الشباب المدافع عن الهوية الأمازيغية إلى التهكّم من المشهد بالتساؤل على ما إذا تقوم قوات الأمن بعملية اعتقال مقام الشهيد و نقله إلى سجن الحراش بعد رفعه الراية الأمازيغية، في إشارة قوية إلى الظلم الذي أطال الشباب الرافع لذات الألوان و الذي قضى في معظمه ستة أشهر نافذة في اكبر السجون الجزائرية شهرة.

و تأتي هذه الالتفاتة الرمزية من قبل السلطات كإشارة إلى تغيير في المقاربة السياسية لسلطة ما بعد الجنرال قايد صالح اتجاه الحراك الشعبي و الأزمة السياسية العاصفة بالبلاد. و هي مقاربة تليين لليد الحديدية التي رفعها الجنرال الراحل . و ترمي في مقاصدها إلى احداث طفرة في الموقف المتشدد و الثابت لمنطقة القبائل التي قاطعت الرئاسيات بنسبة 100 بالمئة. و هي لا تزال في موقفها دون أدنى فرصة للنظام في اختراق الموقف عبر القوة ، القمع ، المناورة أو عبر شراء الذمم المحلية كما كان الحال سابقا. و هذا المعطى الجهوي يشكّل في حد ذاته أكبر صدع لمراكز القرار كون أن استمرار تصلّب موقف منطقة القبائل بأكمها يشكّل قاطرة تعبئة ثورية قوية لباقي المناطق و يعطّل أجندة الرئيس المعيّن. إذ لا يمكنه الذهاب إلى تغيير الدستور و اجراء استفتاء شعبي عليه في أقرب الآجال كما تعهّد به علنا في مراسيم التنصيب ، و لا حل البرلمان بغرفتيه و الذهاب إلى تشريعيات مسبقة وسط مقاطعة كاملة و شاملة مرتقبة لمنطقة بأسرها و بحجم منطقة القبائل و بثقلها السياسي.

L’image contient peut-être : une personne ou plus

السلطة الفعلية الحالية تفطّنت للمأزق السياسي الذي صنعه الجنرال قايد صالح بخياره الصدام مع منطقة لها تاريخ طويل في المعارضة و الممارسة السياسية، و أن أي حل ساسي للأزمة الراهنة يمرّ حتما عبر استدراج المنطقة نحو طاولة المفاوضات، إن أرادت أن يحضى بالقليل من النجاح. و أن لا شيئ إيجابي يمكن أن يحصل قبل اصلاح و ترميم ما دمّرت سياسة الجنرال قايد صالح العدائية نحو المنطقة. و قرار اطلاق سراح رافعي الرايات الأمازيغية بالجملة و إن كان الكثير منهم قد أنهوا مدة عقوبتهم، و تنوير المباني الرمزية للعاصمة بألوان الراية الأمازيغية تدخل في حيّز هذه المقاربة ال ما بعد الجنرال قايد صالح.

و تبقى هذه الغمزات السياسية نحو المنطقة رهينة موقف نشطاء و سياسيي المنطقة. و لحد اللحظة، لا شيئ يُبشّر بتغيير ضرفي للموقف المطالب بالتغيير الجذري للنظام عبر مرحلة انتقالية و آليات ديمقراطية تؤسس لجمهورية جديدة عنوانها : السيادة الشعبية، العدالة المستقلة و حرية الاعلام و الممارسة السياسية. فتصريحات الشباب المفرج عنهم، و نشطاء المجتمع المدني المحلي و مواقف الأحزاب الأكثر حضورا و هيكلة في المنطقة تصبّ جميعها نحو منطق التصعيد السلمي للثورة قصد احداث التغيير الجذري للنظام.

أمياس مدور