عندما قرأت تعليمة الوزير الغير شرعي المكلّف بتسيير قطاع التعليم العالي و البحث العلمي التي يأمر فيها رؤساء مؤسسات التعليم العالي باستعمال العربية و الانجليزية في رؤوس جميع الوثائق الادارية و الرسمية من أجل « مرئية أمثل للنشاطات التعليمية و العلمية على مستوى القطاع »، تذكّرت تلك الصور المتداولة لفتيات يضربن بخمورهن على رؤوسهن و يلبسن ” ميني جيب آخر طراز ” أو ” فيزو تغي سيغي” يظهر محاسن ما يشتهي الرجل أن يرى.
تعليمة الوزير الغير شرعي في نظر الجامعيين و العقلاء كتلك الصور في نظر رجال الدين و الفقهاء : “الرأس لله و الباقي لعبد الله”.
الوزير الغير شرعي غارق في الشعبوية الزاحفة إلى درجة الجهل ببديهيات الأمور. كيف يمكن لرؤوس وثائق تكتب بلغة أيا كانت اللغة أن تجعل من محتوى بحث أو نشاط علمي مدوّن بلغة أخرى أكثر رؤية ؟ وزير حكومة الفساد المدّد لا تهمّه التفاصيل لأن الهدف هو اصطياد ما أمكن من عقول ساذجة تؤمن بامكانيّة إخراج البلد من الوحل بالشعارات الجوفاء.
وزير التعليم العالي في حكومة الفساد الممدّد لم يوضّح كيف يتم استبدال الفرنسية بالانجليزية بجرة قلم و جلّ الطاقم البيداغوجي الكفئ أو – لنقل ما تبقّى منه في أرض الوطن – له عقود تعلّم و تعليم بالفرنسية. هل تخطّط السلطة في عملية فصل جماعي لكل هذه الطاقات الوطنية المخلصة و استبدالها بجيوش متعاونين أجانب تأتي بهم من مصر و الإمارات و السعودية كما فعلت أيام التعريب الأولى في بداية السبعينات ؟
هل نجحت السلطة الفاسدة باستيراد وحدات كاملة و متكاملة من الإخوان المسلمين المصريين و بكل عتادهم الإيديولوجي في التعريب السليم للشُعب العلمية و تمكين الدفعات الطلابية المتتالية من كتابة و لو رسالة إدارية بسيطة بلغة عربية سليمة ؟
ملايير الدولارات التي رمتها الدولة الجزائرية في حسابات آلاف المتعاونين المصريين و السوريين و الفلسطينيين و العراقيين لم تجعل من جامعاتنا منارات علم و لا حواضن أبحاث معرفية. القليل ممّا طفى كان بالفرنسيّة. و تجربة تعريب المنظومة التربوية لقّنتنا أن قرارات من هذا الحجم يتطلب نقاشا وطنيا واسعا بين الأخصائيين و بعيدا عن الشعبوية القاتلة. الجزائر لا يمكنها تحمّل كارثة أخرى .
الوزير الغير شرعي في حكومة الفساد الممدّد يعلم علم اليقين أن تغيير لغة تعليم بلغة أخرى هي عملية تتطلب رصد أموال طائلة لاقتناء المواد البيداغوجية، استيراد طواقم بيداغوجية كبيرة بالعملة الصعبة مع توفير كل شروط الحياة الاجتماعية لها، دفع كل ما تبقّى من إطارات جامعية كفءة إلى هجرة البحث عن سماء أرحم و أفضل لهم . هل للسلطة المفلسة امكانيات سياستها الشعبوية و خزائن الدولة فارغة بفعل نهب ذات السلطة لها ؟
كان بامكان الوزير الغير شرعي أن يربح بعض النقاط لو اتخّذ قرارا جريئا بإضافة الأمازيغية في رؤوس الوثائق الرسمية للقطاع ليظهر بثوب المحترم لأحكام الدستور الذي يتغنّى به ليلا و نهارا صاحب الفضل عليه. فالأمازيغية لغة وطنيّة و رسميّة بمقتضى القانون الأول للبلاد. و لكن : هل من يقبل أن يلتف بثورة شعب بأكمله و ينتهز فرصة ثورية بامتياز لتقمّص “كوستيم” أكبر منه بكثير، له القدرة الفكريّة اللازمة لاتخاذ القرارات الصائبة ؟
إن السلطة في مأزق سياسي و محاصرة من قبل الثورة. و لم تجد لنفسها سوى الخطب الشعبوية كمخرج يائس لها. و لهذا تجدها تركب خيل الوطنية الزائفة في كل تلّة و تحمل سيف المعاداة للفرنسية أمام كل ريح. و هي تعلم في قرارة نفسها أن سيفها من كرتون.
القضايا الزائفة التي تمطيها السلطة الفاسدة أحصنة من خشب. المسرحية يمكن لها أن تطول لو كان الوقت في صالح جزائر الغد. و لكن كل المؤشرات في الخانة الحمراء و وقت القطيعة مع هذا القطيع قد حان.
أمياس مدور