عندما يقول مسؤول سام في بنك الجزائر، بمناسبة ملتقى يرمي إلى تديين المؤسّسة المالية، أن مؤسسته عاجزة عن إعادة ضخ ثلث السيولة المالية للبلد في المضمار البنكي، و ذلك رغم كلّ التحفيزات و التطمينات و الإجراءات الحكومية، فهو حكم نهائي بالفشل الذريع للسياسة الإقتصادية و المالية للحكومات الجزائرية المتتاليّة. و منه فهي مظهر من مظاهر الفشل الذريع للنظام السياسي الحالي في التسيير.
عندما يفشل نظام ما في التحكّم في أحد ركائز و رموز الدولة الحديثة، و هي العملة الوطنية، و يتركها تسير و تجول في الأروقة الموازية للدولة، يجب عليه رفع راية الإستسلام و التنحي. و هذا هو مخرج النجدة للجميع.
الشعب الجزائري بكل أطيافه اختار تكنيز 4700 مليار دينار في بيوته و توظيفها في السوق الموازية بدل وضعها في حسابات البنوك الوطنية. لم يكن هذا الخيار نتيجة جهل المواطن بمزايا وضع ماله في البنوك و ما ينتج عنه من فوائد على الإقتصاد الوطني. و منه على إطار الحياة العامة ككلّ. و لم يكن أيضا عزوف الجزائريين عن الشبكات البنكية سلوكا أملاه وازع ديني ما. هذا تهرّب من واقع حال رغم أن الحكومة تعشق ، حسب رئيسها، “سياسة واقع الحال”.
قد تكون هناك جماعات دينية ذات مآرب سياسية تشجع الناس على عدم التعامل مع البنوك بحجة طبيعتها ” الربوية” بغرض إفلاس النظام المصرفي الوطني و تسريع وتيرة إنهيار الدولة. و لكن الكلّ يعلم أن هذا ليس كلّ شيئ.
إنّ الكلّ يعلم أن هذه الظاهرة ثورة شعبية صامتة على النظام القائم و طلاق موثَّق بين مؤسّسات الدولة و شعبه. إن تكنيز ثلث الكتلة النقدية الوطنية في الشكارة تعبير صريح و واضح المعالم عن عدم ثقة الشعب في مؤسسات وطنه. و بالأحرى ، يريد الشعب أن يقول بالعامية الجزائرية لرجالات النظام المرفهين : ” دراهمي، ياكلهم فار داري، ما يكلهمش كلاب داركم “.
أفلس النظام على كل المستويات و في كلّ المجالات، فلا داعي لتحويل مؤسسات بنكيّة مدنيّة إلى مؤسسات دينية. الإفلاس نخر عظام النظام، و الحل أن يرفع الراية البيضاء أمام شعبه بدل أن يرفع اليدين أمام حاملي إديولوجية لا تغني و لا تسمن من جوع.
أمياس مدور