التفاعل السلمي للشعب مع القمع الرهيب رفع الجمعة 117 إلى مصاف أيام النصر

إنزال أمني لم تعرفه الجزائر حتى في عز مظاهرات ديسمبر 1960، اعتقالات بالجملة تخطت عتبة الألف في يوم واحد ومست القائد السياسي، الصحفي، المحامي، الشيخ الذي بلغ عتيا، المرأة الحامل والطفل الوديع. في ثاني أيام العيد، عمدت السلطة الحاقدة على شعبها إفساد احتفائيته الدينية بعد أن أفسدت الأرض لسنين.

في الواقع، لاشيء يبرر كل هذه الهمجية التي أفرغتها قوات النظام على أجساد الشعب العارية وعلى الرؤوس التي لا تحمل سوى أحلام الحرية وأفكار التحرر من التبعية. لمدة 117 أسبوع، لم يكن هناك إتلاف للممتلكات ولا تعطيل للمرفق العام ولا توقيف لما تركته العصابة الحاكمة من شظايا الماكينة المنتجة. الشعب تعمد الخروج بالجمعة وبسلمية أبهرت العالم كي يضمن الحياة العادية للدولة طوال الأيام المفتوحة كما تبنى خيار التعبير السلمي عن رفضه لحكم العصابات.

فما وراء هذا النزوح للعنف والتعسف والدفع نحو الصدام الغير مرغوب فيه شعبيا؟ لا يُشترط في هذه الحالة ان تكون خريج كلية علوم سياسية كي يتضح لك جليا أن هذا السلوك المافياوي للسلطة تعبير شكلي عن إفلاس عام تتخبط فيه وعجز تام عن إيجاد حلول ناجعة تحوي الأزمة الخانقة التي افرزتها بسياساتها الارتجالية.

السلطة تيقنت، بعد فشل كل مناوراتها رغم ضخامة الموارد التي جندتها في الثورة المضادة، أن أيامها محسوبة وأن خريطة الطريق البائسة التي أرادت فرضها على الجزائريين احترقت بمجرد احتكاكها بالواقع الوطني، ولهذا تجدها تبنت خيار دفع الوطن نحو دوامة العنف وخلق بؤرة توتر عالمية أخرى قد تأتي بالاخضر واليابس في شمال إفريقيا والبحر المتوسط.

دعنا نقول ان الجمعة 117 من عمر الثورة السلمية يوم تاريخي بامتياز يضاف إلى سجل انتصارات الشعب الجزائري في ثورته العارمة على النظام ورجاله الفاسدين. لقد أرادت السلطة أمرا فضيعا للوطن ، فانقلب السحر عليها، وتحولت الجمعة 117 إلى يوم من أيام النصر. فرغم القمع الرهيب، لم يستجب الجزائريون  والجزائريات لنزوات السلطة الراغبة في العنف والدمار  وتمسكوا بالسلمية والصمود السلمي رغم قساوة الهراوات المتهاطلة عليه, واجهضوا خطتها ، ليحققوا بذلك مكسبا آخر للجزائر. 

لقد بدا واضحا ان الشعب الجزائري ترسخت في ذهنيته قناعة عميقة أن سلامه في سلميته، ومستقبله في الثبات في الموقف التحرري. فهو شعب يريد الحياة وقرر كسر القيود بأيادي فارغة وعزيمة صلبة، ولهذا لا خوف على الثورة والوطن مهما اشتد بطش العصابة الراحلة.

امياس مدور