تحرّكت العدالة و استدعت أسماءا ثقيلة كانت بالأمس على قائمة ” الأشخاص الذين لا يليق دعوتهم إلى قاعات المحاكم”. و هذا شيئ جميل و يثنى عليه. لأنّ القانون وّضع أصلا على رؤوس الجميع.
فاستدعاء الوزير الأول السابق و مدير عام بنك الجزائر أثلج صدور الجزائريين الذين أنهكهم فساد المسؤولين حتى النخاع. و من لا يفرح لهذا المشهد السيريالي، لا شك أنّ تبنا يملأ أحشاءه.
و لكن عمل غير مكتمل تلاحقه ضلال الشكوك. و هو حال هذه الملاحقات الانتقائية. إذ يتساءل العاقلون عن جدوى استدعاء أويحيى و مدير بنك و ترك رأس النظام الفاسد، عبد العزيز بوتفليقة و إخوانه في نعيم الجمهوريّة. و لماذا سارعت الجهات القضائيّة للتحرّي حول قضايا الفساد و تجاهلت قضية أكبر و أخطر كالخيانة الكبرى و التآمر على استقرار البلد التي اقترفها الفريق محمد مدين و السعيد بوتفليقة بمشاركة قوى أجنبية و تحت قبو مؤسسة رسميّة ؟.
محاربة الفساد ضرورة وطنية و حتميّة ثورية لا جدال فيها، و لكن الأولوية متابعة الخونة و غلق كل سبل المؤامرة.
تحدّث رئيس الأركان عن استرجاع العدالة لاستقلالها. كان على القضاة استدعاؤه فورا، باسم استقلال العدالة، لاستفساره حول حيثيات ذلك اللقاء الهام بين اللواء مدين و السعيد بوتفليقة و المخابرات الفرنسية حول الجزائر و في الجزائر، و فتح محضر رسمي للقضية. إنّ هذا الاجراء أقلّ ما ينتظره الشعب الجزائري كبصمة جدّية في خطاب مسؤولي اليوم.
إنّ أسماء المسؤولين السياسيين و رجال الأعمال و القيادات العسكريّة التي استدعتهم المحاكم المدنية و العسكريّة يُحسبون كلهم على عُصبة اللواء توفيق. و هذا ما يبعث الشكوك و يدفع نحو اليقين أن كلّ ما يجري في مؤسسات الدولة مجرّد تصفيّة حسابات بين العُصب و لا غير. إنّ النظام السياسي بمؤسساته و مناوراته و تعتيمه الاعلامي و تخوينه للطبقة السياسية المعارضة و قواعده القانونية لم يتغيّر في شيء. كلّ ما في الأمر هو تمديد عهدة رابعة بوكالة. ريثما يجد النظام ذلك الوجه القادر على ملء العهدة الخامسة بأقلّ الأثمان.
إنّ الجمهوريّة الجديدة التي يتطلّع لها شباب ” سلميّة سلميّة ” هيّ التي تكون فيها العدالة مستقلّة بقوّة القانون و ليس حسب نزوة القادة. و تتحرّك فيها العدالة حسب أولويات و إجراءات قانونية هيّ أعلم بها. هيّ جمهوريّة يرسم ملامحها أيادي شعبية حرّة و ديمقراطية و ليست تلك التي يسطّر العسكريّون خطوطها على الأرض بفوهات بنادقهم.
أمياس مدور